الثلاثاء، 27 يوليو 2010

تميمة البرزاني

تميمة البرزاني
من المعلمين الذين تركوا اثرا بليغا علي وعلى مسيرة حياتي جاسم محمد الرجب. كيف لا ، وقد رآني يوما اقرأ كتابا فسألني . قلت انه لطه حسين. نظر الي بإشفاق وقال ، ليش، ليش يا ولدي تضيع وقتك في قراءة هالناس؟ اقرأ شي بالانكليزي. صفحة واحدة بالانكليزية تفيدك احسن من كل ما في المكتبة العربية من كتب! الطريف في الأمر انه كان مدرسنا للأدب العربي!

نشأت بيننا علاقة صداقة فرحنا نخرج معه في سفرات نتبادل فيها اطراف الحديث. وكان ان روى لنا ما حصل له في كركوك. كانت وزارة المعارف قد تضايقت منه ومن تأثيره على الطلبة في نشر الشيوعية. فنفته معلما في كركوك. وبالطبع واجه هذا الخليط من سكان كركوك ، كردا وتركمانا وعربا ...الخ. استأنف احاديثه الديالكتيكية. فتحداه احد الطلبة الأكراد . راح يشرح للمعلم العلماني قوة الدين والايمان فقال ان الملا مصطفى البرزاني يكتب تميمة دعاء تحمي حاملها من الموت مهما اطلقت عليه من رصاص. بالطبع اجاب عليه الاستاذ بما يكفي. هذه خرافة لا يمكن ان يصدقها العقل. ولكن التلميذ ظل يناقش ويستشهد بشتى التجارب والحجج والفتاوى. وانقسم الطلبة بين من يؤيد المعلم ومن يؤيد التلميذ الذي تمادى في دعواه فقال انه يستطيع ان يحصل على هذه التميمة ويحملها على صدره ويتحدى اي احد في اطلاق الرصاص عليه!

ياله من تحد ومحنة! وتعالى صياح الطلبة في اجراء التجربة. واي تجربة! كيف يغامر بحياة ابن الناس في مثل هذه المسألة الخطيرة؟ تناقش الاولاد في الموضوع فصدرت من حزب المؤمنين فتوى بأن من الممكن في الواقع اجراء هذه التجربة على دجاجة. يعلقون على رقبتها دعاء الملا مصطفى رحمه الله ويطلقون عليها الرصاص. وافق استاذي الجليل على اجراء ذلك. كان عازما على تنظيف دماغ طلبته من مثل هذه المعتقدات وغرس روح العلم والعقل فيهم بصورة عملية.

جمعوا ما يكفي من الفليسات لشراء دجاجة واستعار احد الطلبة الكرد مسدسا من جماعته وقاد جاسم الرجب مجموع طلبته في سفرة مدرسية الى احد البساتين المجاورة لكركوك بحجة النزهة الطلابية، ومعهم المسدس والرصاص والدجاجة السمينة. قاق قيق قاق قيق ، طوال الطريق.

التفت الاستاذ الى تلميذه حما " ابني حما ، لا تفشلني. صوب المسدس زين على الدجاجة، لأن اذا ما صبتها وسلمت من الموت راح كل مستقبل العلم في البلاد ينهار".

" ولا تخاف استاذ. انا خمسة اشهر اتدرب مع البيشمركة على ضرب الرصاص".

واطلق التلميذ الرصاص على الدجاجة المسكينة فمزقها اربا اربا. وبعد ايام اعتقلوا استاذي ونقلوه بناء على تقرير من المخابرات بأن جاسم الرجب شرع بتدريب الطلبة على استعمال السلاح تمهيدا للثورة الشيوعية واسقاط النظام الملكي.

فيا امة ضحكت من جهلها الأمم.

خالد القشطيني
نقلا عن جريدة العالم العراقيه

ليست هناك تعليقات: